نسرين طفلة صغيرة تبلغ من العمر أربع سنوات فقط ... من رآها ظنّ بأنها ملاكاً وليست كباقي البشر !! عينان زرقاوان ... شعر أشقر بلون الذهب يلمع كلما رأى أشعة الشمس ... كانت تسرح وتمرح ضمن حدود معينة ... اجتماعية ... مهذبة ... بارعة في دروسها وكان والدها أحمد مثلها الأعلى !! في يوم من الايام قرر أحمد وزوجته السفر الى فرنسا لقبوله في شركة تأمين فرنسية وبمعاش مغر وبدل سكن !! كانت الحياة صعبة في البداية لكنهم تأقلموا مع الوضع وخلال اقامتهم هناك تلقى أحمد دعوة لحضور زفاف ابن عمته ففرح كثيراً وقبل متمنياً له حياة هادئة وهانئة .
وها هو اليوم الموعود الذي غير مجرى حياة عائلتين !! الكل جاهز ... زوجة أحمد بثوبها الخلاب والمثير ... احمد ببذلته الرسمية الأنيقة ونسرين بجمالها الملائكي وفستانها الوردي !! ها قد دخلوا قصر العريس المدعو حليم حيث الموسيقى صاخبة جداً ... المشروب يقدّم للجميع والكل مسرور لكن نسرين تضايقت من تلك الأصوات العالية التي لم تعتد بعد عليها فقالت لوالدها :
- ابي هل يمكنني أن أبدل ملابسي و أنزل الى حوض السباحة برفقة الخادمة ؟؟
- نعم حبيبتي لكن لا تبتعدي كثيراً عن عيوننا
- لا تقلق
ها قد جهزت نسرين للسباحة ولكن من سوء حظها ان الطقس تلبّد فجأة وبدأت الامطار تهطل دون سابق انذار فعادت من جديد
الى قاعة الزفاف لتقول لاحمد :
- ابي ..
- ماذا تفعلين هنا صغيرتي لماذا لم تسبحي بعد ؟؟
- لأن المطر انهمر فجأة
- لا تحزني هكذا ... اسمعي هنالك يوجد زهور جميلة فاذهبي واقطفيها ولكن انتبهي الى خطواتك صغيرتي اتفقنا ؟؟ والآن دعي الخادمة تلبسكِ مجددا فستانك وباشري بالعمل
- الى اللقاء ابي
- رافقتك السلامة يا ابنتي
وحين همت بالخروج من القاعة ناداها مجددا قائلاً :
- نسرين .... اياك ان تذهبي الى البركة الثانية خرج القصر فمياهها ليست نظيفة احترسي يا ابنتي ولا تقتربي منها !!
- حسناً ابي ... اراك لاحقاً
ما ان خرجت حتى أحس أحمد بشعور غريب !! اكمل سهرته مع المدعوين أما نسرين فقد ذهبت لتبديل ملابسها برفقة الخادمة
وما هي الا دقائق حتى باشرت الصغيرة بقطف الورود ووضعها بسلة فهذه كانت هوايتها المفضلة .
ما زال احمد يشعر بخوف كبير على صغيرته فخرج من القاعة وقال لخادمة كانت في الحديقة مع طفل صغير
- ما اسمك ؟؟
- ماريا
- اسمعي ماريا ... هل يمكنك ان تنتبهي قليلاً على ابنتي ؟؟ لا ادري لماذا انا خائف عليها هكذا . لا تدعيها تغيب عن ناظريك
وان احتاجت الى اي شيئ تعالي واخبريني من فضلك .
- لا تقلق سيدي عد الى الحفلة وانا سانتبه اليها
- شكرا جزيلا ماريا
- العفو سيدي
عاد احمد الى القاعة مطمئناً على ابنته فقد ظن بأنها ستكون بين يد أمينة !! لكنه كان مخطئاً جداً فبعد مرور بعض الوقت جاع الطفل الصغير فدخلت به من باب الخدم لتحضير طعامه وتركت نسرين في الخارج تلهو وتلعب دون رقيب !!!
في هذا الوقت كانت نسرين قد اوشكت على الانتهاء من قطف الورود لكنه سرعان ما لفت انتباهها وردة تطفو على وجه الماء في البركة التي حذرها منها والدها ... توقفت لبعض الوقت وتمعنتها لأنها اعجبتها كثيراً فقررت أن تقطفها !! مدّت يدها الصغيرة لتتناولها فسقطت نسرين في بركة المياه التي تسقى منها الأحصنة التابعة لحليم . حاولت ان تسبح وتقاوم لكنها ابتلعت مكمية مياه وغرقت .
بعد أن مرّ عشر دقائق على غرق نسرين كان عامل التنظيف المسؤول عن أحواض السباحة الداخلية والخارجية للفيلا يجول في هذه المنطقة وتفاجأ حين رأى نسرين تطفو على سطح المياه وصرخ بصوت عال :
- سيد احمدددددددددد ... سيدة ريماااااااااا !!!
ووسط الموسيقى الصاخبة لم يسمع أحد منهم النداء فتركها وعاد مسرعاً الى القاعة ليخبرهم بالفاجعة .
- سيد أحمد ... سيدة ريما هنالك أمر ينبغي أن تعرفوه !!
- ما الامر ... تكلم
- انها نسرين ... وجدتها تطفو على سطح مياه البركة الخارجية ... ناديتكم ولكنكم لم تسمعوا
وقع الخبر كالصاعقة على ريما و أحمد فجأة خلع الوالد ستره وانطلق مسرعاً لانقاذ ابنته ... وما ان وصل كانت دموعه تفيض من عينان زرقاوان فقفز في المياه وانتشل ابنته غير آبه بما قد يصييبه من خلال نزوله البركة وقال بصوت عال :
- اطلبوا سيارة الاسعاف بسرعة فابنتي ما تزال حية لكنها تتنفس بصعوبة !!
لكن العريس اخذ الفتاة مع احمد ووصلوا الى أقرب مستشفى !! وما ان وصلوا كان هنالك طبيب شرعي للمستشفى أخذها وادخلها الى غرفة العناية الفائقة وسرعان ما عاد الى الوالد الحزين ليخبره بوفاة ابنته
- ماذا هنالك دكتور ؟؟ ابنتي ستعيش أليس كذلك ؟؟ أرجوك افعل المستحيل لتجعلها تعيش أتوسل اليك
- يؤسفني سيدي أن أقول لك بأن ابنتك ماتت وقد مضى على وفاتها أكثر من ربع ساعة وأنا مضطر الى ابلاغ الشرطة
- لا لا لا لا ....
انهار أحمد وانتابه حزن وجرح دفين لفقدان ابنته الوحيدة التي رزق بها بعد قصة حب دامت ثماني سنوات !! وما هي الا دقائق حتى أتت الشرطة وعادت به الى الفيلا لاكتشاف ما حدث هنالك وتم القبض على أحمد وحليم (العريس) وريما ( والدة نسرين ) وأوقفوا بالسجن لثلاثة أيام وتم تبليغ محامي العريس لاستلام القضية !!
لكن المحقق أحال الدعوة الى النيابة العامة الفرنسية لاتخاذ القرار المناسب لمقتل طفلة تحمل الجنسية الفرنسية !!! وفي تفاصيل المحكمة وجهت التهم لوالدي نسرين الذين لم ينتبهوا الى ابنتهم وانصرفوا الى شرب النبيذ والاحتفال بالزفاف الذي كان يقام في الفيلا . وبعد الاستماع الى شهادة الخادمة التي كان ينبغي عليها ان تنتبه الى نسرين قرر القاضي ترغيم العريس بكفالة كبرى وصلت للعشرون ألف فرنكاً فرنسياً لأن الحادث وقع في فيلته وأحمد بكفالة ثانية بقيمة خمسة عشرة ألف فرنكاً لعدم انتباهه على نسرين واعطائها لخادمة تعمل عند عائلة اخرى .
وهذه الحادثة الاليمة جعلت حياة احمد و ريما مستحيلة وغير موجودة وأراد أن يطلقها لأنها لم تعتني بابنتها منذ ان كانت صغيرة لكنه قرر ان يعطيها فرصة اخرى . انتقلوا من المنزل الذي يذكرهم بها واخذوا منزلاً بعيداً في ذات المقاطعة التي عاشوا فيها وعاشوا دون أطفالاً لمدة سبع سنوات . وفي يوم اتفق احمد وريما ان ينسوا الماضي ويحاولوا انقاذ قصة حبهم الطويلة وينجبوا طفلاً آخر ينسيهم ألمهم . وبالفعل بعد مرور اشهر قليلة حملت زوجته مجدداً وولدت بعد ثماني أشهر فقط ورزقا بطفل
كبر هذا الطفل واصبح عمره ست سنوات فسأل والده :
- بابا لماذا لا يكون عندي شقيقة ؟؟ أريد ان تكون صديقة لي احبها واكون بجانبها
بكى احمد وهو يضم ابنه بين يديه وقال له :
- كان لديك شقيقة حبيبي لكنها توفيت
- احقاً ابي ؟؟ لماذا هل كانت مريضة ؟؟
- لا لقد غرقت في حوض السباحة
- الا يمكنها ان تعود ؟؟
- لا حبيبي فمن رحل لا يعود .. هل تريد ان تراها ؟؟
- طبعاً ابي معك صورة لها ؟؟
- خذ .. هذه هي شقيقتك نسرين
قبلها وبكى مع والده ووعده بأنه ان تزوج في يوم من الايام ورزق بابنة فسيسميها " نسرين " .
زادت المشاكل بين ريما و أحمد وانفصلا بعد أن اتم ابنهما عامه الخامس عشر وعاش وحده !! وبعد ثلاث سنوات تزوج أحمد من سيدة مطلقة وكما يبدو فانها قد تكون حاملاً حالياً أما ابنه فهو يبلغ من العمر ثماني عشرة عاماً ويعيش حالياً بمفرده في مقاطعة اخرى بعيدا عن والده محتفظا بصورة شقيقته في محفظته حتى اليوم .
دقع احمد ثمن باهظ بعد وفاة ابنته وما زال حتى الآن يبكي عليها . فصبره الله !!
يا رب تكون القصة عجبتكم ..
تحياتي للجميع ...